نظرية التدافع.... تأصيل أم مماثلة

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

القاهرة

المستخلص

من البداية أقول إنني لا أعتبر نفسي خبيراً، لا في العلم ولا في الفلسفة. غير أني بذلت طوال حياتي محاولات جادة، لکي أتفهم شيئا ما عن العالم الذي نعيش فيه. وأعتقد أن المعرفة العلمية، والعقل الإنساني الذي ينتج هذه المعرفة، دائما يتم التربص به. بيد أن- فيما أعتقد – أن فخر الجنس البشري. وعلى قدر ما أعرف، إن الإنسان هو الکائن الوحيد في هذا الکون الذي يحاول أن يفهم ما يحدث في أرجائه. ولعلنا نواصل هذا المسار دائما، وأيضا لعلنا نکون على وعي بحدود ما نقدم من حيث المقاربة بين المتاح من المعرفة وبين الممکن الذي نحاول الوصول اليه.
فعبر سنوات عديدة کنت أسوق الحجج ضد البدع العقلية الشائعة في العلم، وأکثر من هذا ضد البدع العقلية الشائعة في العلوم الإنسانية بشکل عام، حيث يکون المفکر ذو البدعة الشائعة سجين بدعته، وأنا أعتبر الحرية من أعظم القيم التي يمکن أن تهبنا إياها الحياة، إن لم تکن القيمة الأعظم على الإطلاق، فالعقل الحر المتفتح من عبودية النص المترجم والنص الغارق في الغربة عن واقع ثقافتنا بل والتحرر کذلک من عبودية الشخص الأجنبي الذي بات سيداً في إنتاج المعرفة العلمية النفسية والإنسانية، فصار الباحث الغربي الأجنبي يلعب دور السيد في المعرفة وبات الشرق کله يلعب دور العبد في علاقة أحادية التأثير وغير متوازنة من السيد للعبد، فصادر العرب عن انفسهم حق التفکير وأعمال العقل وإنتاج المعرفة العلمية الإنسانية واحترفنا النقل والترجمة والاقتباس والاستيراد والمماثلة العمياء الفاقدة للبصر والبصيرة، وأصبح التفکير وإنتاج المعرفة العربية خروج عن النص وانحراف عن قطيع يسوقه النص الأجنبي المقدس عربياً، وقد ننصب المقاصل والمحاکم لکل من يسعى ويحاول أن ينتج نصاً عربياً أصيلًا غير منقول أو مترجم أو مقتبس.
ولقد کان التدافع نصاً خارجاً عن المألوف يخالف شريعة المماثلة والمحاکاة للغرب السيد والمتسيد بطرح رؤية مغايرة مارس فيها الباحث کل فنون ومهارات البحث والتأمل والتدقيق والتحليل والاستنباط والاستقراء للمعنى واجتهد في تنظيم وترتيب الأفکار على النحو الذي يعبر عن إمکانية تقديم طرحاً تنظيربًا متعمقاً لمعاني وأبعاد معنى التدافع باعتباره مفهوماً عربياً خالصاً يمنح الهوية هويتها وقيمتها وعمقها التاريخي والإنساني المتعدد والمتشعب في قدرته على فهم وتفسير السلوک الإنساني.